الاحداث نيوز
عين الحقيقة

إبراهيم شقلاوي : هل ينقلب قطاع الطاقة إلى صناعة دفاعية؟

منوعات _ الأحداث نيوز _ هل يتحول قطاع الطاقة إلى الصناعات الدفاعية؟

بقلم: إبراهيم شقلاوي

في ظل التصعيد المستمر للحرب في السودان، أصبح استهداف البنية التحتية الحيوية جزءًا من استراتيجية المواجهة. وبرز قطاع الطاقة كهدف رئيسي في هذه الاستراتيجية، حيث تعرضت محطة التحويل الرئيسية لسد مروي لثلاث هجمات متتالية بطائرات مسيّرة من مليشيا الدعم السريع، مما أدى إلى إغراق البلاد في ظلام دامس. وما يزال سكان ولاية الخرطوم يعانون من تبعات ذلك، حيث يعتمدون بشكل رئيسي على الكهرباء المولدة من سد مروي لتشغيل المرافق الحيوية مثل ضخ المياه وتشغيل المخابز.

هذا التكرار في الهجمات دون تحرك فعّال من السلطات يثير تساؤلات كبيرة حول قدرة الدولة على حماية منشآتها الحيوية، ويضعف ثقة المواطنين في أداء السلطات التنفيذية. المفارقة أن وزير الطاقة لم يزر محطة سد مروي رغم الأضرار الكبيرة التي تعرضت لها، بينما اقتصرت زياراته على محطات أقل أهمية مثل محطة عطبرة.

استهداف سد مروي، الذي يعد ركيزة استراتيجية للطاقة الكهرومائية في السودان، ليس حادثًا عارضًا، بل يشير إلى تحول خطر في طبيعة الحرب، حيث بدأ يطال منظومات السيادة الوطنية. من المعروف أن سد مروي دخل الخدمة في 2009 بسعة تفوق 1.250 ميغاواط، ويعتبر عنصرًا أساسيًا في توفير الكهرباء لأكثر من نصف البلاد.

لكن قطاع الكهرباء السوداني يعاني من تدهور كبير بسبب الأزمات المتشابكة مثل نقص التمويل، ضعف الإدارة، الأزمات العمالية، وهجرة الكفاءات الهندسية. سياسات لجنة إزالة التمكين بعد 2019 كان لها دور كبير في تفريغ القطاع من كفاءاته.

من هنا، نرى أنه من الضروري إعادة هيكلة قطاع الكهرباء من خلال دمجه جزئيًا أو كليًا مع منظومة الصناعات الدفاعية. هذه المنظومة، التي أظهرت قدرة كبيرة في إدارة الملفات الأمنية والتقنية، تمتلك بنية تنظيمية مرنة، كوادر كفؤة، وإمكانات صناعية متقدمة في عدة مجالات. وقد أثبتت قدرتها على تطوير وصيانة المعدات العسكرية، ما يجعلها قادرة على توسيع اختصاصاتها لتشمل الصناعات الكهربائية والطاقة.

إن إعادة توجيه قطاع الكهرباء تحت إشراف الصناعات الدفاعية يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو حماية هذا القطاع الحيوي من الهجمات والمشكلات الداخلية التي تهدد استمراريته. لم تعد تحديات الطاقة مجرد مسائل فنية، بل أصبحت قضية سيادة وطنية تستدعي حلولًا غير تقليدية.

في ظل إعادة استرداد مؤسسات الدولة بعد الانتصارات العسكرية، يظل غياب وزارة الطاقة عن المشهد أمرًا غريبًا، رغم أهمية هذا القطاع في أي نهضة اقتصادية. من جهة أخرى، فإن تجاهل ما يحدث في محطة توليد سد مروي يثير العديد من التساؤلات.

لن يخفى على أحد أن قطاع الطاقة في السودان يعاني من مشكلات مزمنة في الإدارة والصيانة والتوزيع، وقد زادت الحرب الأخيرة الوضع تعقيدًا، خاصة بعد أن تحولت البنية التحتية للطاقة إلى أهداف مباشرة لمليشيا الدعم السريع.

وبالنظر إلى تعقيدات قطاع الطاقة أمنيًا وفنيًا، يبدو أن الحلول الاستراتيجية تحتاج إلى تغيير جذري يتواكب مع تحديات المرحلة. وتعتبر منظومة الصناعات الدفاعية من الجهات المؤهلة لإدارة هذا القطاع بشكل فعّال.

المنظومة الدفاعية، التي تأسست عام 1993 تحت وزارة الدفاع، أصبحت الآن كيانًا صناعيًا وتقنيًا متكاملاً، وتمتلك إمكانات كبيرة في عدة مجالات. وهي شريك دولي موثوق في العديد من المشاريع، ما يعزز قدرتها على الإسهام بشكل فاعل في قطاع الكهرباء والطاقة.

عندما ننظر إلى نماذج مشابهة في دول أخرى مثل مصر وإيران وباكستان، نجد أن إدارة قطاع الطاقة عبر مؤسسات دفاعية قد أثبتت نجاحها، سواء في قطاع الكهرباء أو الطاقة بشكل عام.

من وجهة نظر #وجه_الحقيقة، فإن تسليم قطاع الطاقة إلى منظومة الصناعات الدفاعية لا يعني عسكرة القطاع، بل هو خطوة نحو “الحلول التنموية الاستراتيجية” التي تجمع بين الأمن وسرعة التنفيذ. في خضم معركة الدولة للبقاء، يتطلب الأمر تفكيرًا مرنًا واستخدام كل كفاءة وطنية متاحة.

إن الانتظار لعودة وزارة الطاقة في هذا الوقت سيزيد من تعقيد الأزمات، بينما تكليف المنظومة الدفاعية بإدارة القطاع يُعد الخيار الأكثر عقلانية في هذه المرحلة الانتقالية، حتى نبدأ مرحلة البناء بكفاءة.

دمتم بخير وعافية.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.