منوعات _ الأحداث نيوز _ وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي
اجتماع الخرطوم… إعلان عودة الحياة من قلب الركام
ليس من المعتاد في واقع الخدمة المدنية السودانية أن ينعقد اجتماع بكامل أعضائه، إذ غالبًا ما تتسبب الارتباطات الشخصية والمهام الميدانية في غياب بعض الحضور. غير أن اجتماع اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم، بقيادة والي الولاية أحمد عثمان حمزة، كسر هذه القاعدة، ليقدم مشهدًا وطنيًا فريدًا في زمن الحرب، اجتمع فيه المعنى بالرمزية، والتحدي بالفعل.
عُقد الاجتماع في مقر حكومة الولاية بشارع النيل، في قلب الخرطوم المحررة من قبضة مليشيا الدعم السريع، والتي أشعلت حربًا مدمرة في 15 أبريل 2023. اجتمع الحاضرون رغم الخراب المحيط بهم؛ مكاتب خاوية، تجهيزات منهوبة، وبنى تحتية مدمرة. ومع ذلك، حضر الجميع، ولسان حالهم يقول إن عجلة الدولة لا تتوقف، وإن الخرطوم، رغم الجراح، قادرة على الوقوف من جديد.
دام الاجتماع أربع ساعات، تناول خلالها المجتمعون تفاصيل برنامج التدخل العاجل لإعادة الحياة إلى العاصمة القومية، بدءًا بتأمين المرافق والأحياء، ورفع الجثث، وتنظيف الشوارع، مرورًا بإعادة خدمات المياه والكهرباء، وانتهاءً بنداء عاجل إلى الحكومة الاتحادية ومفوضية العون الإنساني لتكثيف المساعدات الغذائية.
ما يلفت الانتباه هو أن الاجتماع لم يكن مجرد إجراء إداري، بل إعلان عن بداية مرحلة جديدة تتصدر فيها ولاية الخرطوم واجهة المشهد الوطني، ليس فقط بصفتها عاصمة البلاد، بل كرمز للصمود وإرادة الحياة في وجه الحرب. والي الخرطوم أكد في حديثه أن التخريب الممنهج طال محطات الكهرباء، وشبكات المياه، وحتى المستشفيات، داعيًا إلى تدخل وطني ودولي عاجل لترميم هذه القطاعات الحيوية.
وفي سياق موازٍ، نظّمت الولاية ورشة عمل بمدينة بورتسودان في 17 سبتمبر 2024، برعاية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، لتطوير مبادرة “نداء الخرطوم” وتحويلها إلى برنامج متكامل للتعافي وإعادة الإعمار. الورشة جمعت ولاة، وممثلين عن الحكومة الاتحادية، وبنوك، ومؤسسات اقتصادية، ومنظمات مجتمع مدني، حيث تم استعراض حجم الدمار الذي خلفته الحرب، وطرح رؤى استراتيجية لإعادة البناء.
ورغم أن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن خسائر الحرب في السودان بلغت نحو 140 مليار دولار، فإن الإصرار على إعادة الحياة لا يزال أقوى من أرقام الخسائر. وفي هذا السياق، التقى والي الخرطوم وفدًا من منظمة الهجرة الدولية، التي أبدت استعدادها لاستقطاب دعم دولي والمساهمة في إعادة النازحين، وترحيل الأجانب غير الشرعيين، وهو ملف بات يشكل تحديًا أمنيًا وإنسانيًا للولاية.
تحديات الإعمار هائلة، ولكن الحرب لا تعني نهاية الحياة. المطلوب اليوم أن تسير معركة القوات المسلحة لتحرير ما تبقى من البلاد جنبًا إلى جنب مع معركة الإعمار، عبر خطة شاملة تتبناها الحكومة الاتحادية بدعم من الشركاء المحليين والدوليين. فإعادة الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، وتأهيل المستشفيات، ليست ترفًا بل ضرورة وجودية.
إن مواطني الخرطوم الذين صبروا على الحرب والحصار يستحقون أن تُعاد لهم حياتهم، ويستحقون أن يروا مدينتهم تنهض من تحت الركام. لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في التخطيط وحده، بل في التنفيذ. فإما أن تتضافر الجهود لإعادة بناء الخرطوم، أو تظل أسيرةً لآثار الحرب وتداعياتها المخزية.
#وجه_الحقيقة
دمتم بخير وعافية.