رشان أوشي تكشف سر قرار مصيري اتخذه البرهان
مقالات الاحداث نيوز – رشان أوشي تكتب حارس الظل:
أنا لست من أولئك الذين يميلون إلى إصدار أحكام قاطعة في أي موضوع، حتى وإن توافرت لدي معطيات كافية لتبنّي موقف معين. لكن في هذه المرة، سأفعل، وأقول بصراحة إن قرار رئيس مجلس السيادة بتجديد الثقة في مدير جهاز المخابرات العامة، الفريق أول أحمد مفضل، يعد خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق عودة بلادنا إلى وضعها الطبيعي.
بلادنا اليوم في وضع مختلف جداً، وضع خطر ومفتوح على كل الاحتمالات.
لقد مثلت السنوات التي أعقبت أبريل 2019 نقطة تحوّل حاسمة أثرت بعمق على دور السودان في التوازن الإقليمي والدولي. كان زلزالاً مدمرًا لم يكن محسوبًا بدقة في بدايته، ولا يمكن لأحد التنبؤ بنهايته.
خلال تلك الفترة، تم تحويل “جهاز المخابرات العامة” من مؤسسة استخباراتية متكاملة إلى كيان أقرب إلى جهاز أمن داخلي محدود الصلاحيات، تعرض لعملية تجريد تدريجية من نفوذه من خلال تقليص ميزانيته وإضعاف موارده البشرية، مما أفقده القدرة على العمل الخارجي وعطّل شبكة العلاقات الدولية التي بناها على مدى سنوات. لم يكن هذا التغيير مجرد هيكلة جديدة، بل كان ضربة مباشرة للأمن القومي.
بحلول عام 2021، فقد الجهاز الكثير من بنيته وفاعليته، تاركًا السودان مكشوفًا أمام تهديدات داخلية وخارجية. الحرب التي اندلعت لاحقًا كشفت حجم الثغرات التي خلّفها هذا التدمير، وأظهرت أن تحييد المؤسسات السيادية لا يعني بناء دولة مدنية، بل تقويضًا لقدرتها على الصمود والبقاء.
في سبتمبر 2021، برزت شخصية جديدة في أروقة المخابرات السودانية: الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل. شغل مناصب تنفيذية دستورية متعددة، وكأنه “طائر الفينيق” الأسطوري، يرمز إلى البعث والتجديد، ينهض من رماده في لحظة الحاجة.
عند توليه قيادة جهاز المخابرات، كانت البلاد تعيش فصولًا من الصراعات السياسية العنيفة وتحولات متسارعة أربكت المشهد وأرهقت الدولة على جميع الأصعدة. ومنذ اللحظة الأولى، بدأ في صياغة سبل سلمية تهدف إلى ردم الانهيار.
بجانب دهائه في التعامل مع التعقيدات الداخلية، بنى زعامته على جدار استناد قوي، واهتم بملفات خارجية كانت الدولة عاجزة عن إنجازها لسنوات. لم يكن دور جهاز المخابرات محصورًا داخل السودان فقط، بل امتد ليصبح لاعبًا رئيسيًا في العلاقات الإقليمية والدولية.
فتح الجهاز قنوات تواصل مباشرة مع نظرائه في دول الجوار، مما ساعد في تبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة، وساهم في التصدي لشبكات الإرهاب العابرة للحدود، ما جعل السودان شريكًا مقبولًا لدى القوى الدولية المعنية بالأمن الإقليمي.
ومن أبرز الشواهد على ذلك، مشاركة جهاز المخابرات في مؤتمر باكو الدولي للأمن، الذي ناقش دور الأجهزة الأمنية في منع الأزمات الإنسانية والكوارث أثناء الهجمات الإرهابية والنزاعات المسلحة.
داخل البلاد، كان الجهاز درعًا واقيًا، وخارجها كان “دبلوماسية ظل” تنسج خيوطها بعيدًا عن الأضواء. وبين هذين الدورين تتجلى حقيقته كمؤسسة سيادية لا غنى عنها في دولة تضربها العواصف. دروس السنوات الماضية أكدت أن العين الساهرة حين تُعصب، لا يرى الوطن إلا العتمة.
في النهاية، يبقى جهاز المخابرات حارس الظل الذي يحمي الأمن الوطني، ورجالاً كاللواء أحمد مفضل رمزًا للإصرار على النهوض ببلادنا من أزماتها.
محبتي واحترامي،
رشان أوشي

التعليقات مغلقة.