حكم الجيش في السودان
مقالات – الاحداث نيوز – بقلم :إبراهيم شقلاوي/وجه الحقيقة
في ظل حرب طاحنة دخلت عامها الثالث، تزداد الأوضاع السياسية في السودان تعقيدًا، ما دفع بالجيش إلى لعب دور محوري في إعادة تشكيل معادلة السلطة. في خطوة استثنائية، أعلن الجيش السوداني، ممثلًا في هيئة قيادة القوات المسلحة، عن عقد أول اجتماع بكامل عضويتها الأسبوع الماضي برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ما يعد بمثابة إعلان غير مباشر لبداية مرحلة جديدة تسعى المؤسسة العسكرية فيها لأن تكون فاعلاً سياسيًا مباشرًا في مستقبل السودان.
اللافت في هذا الاجتماع ليس فقط توقيته، بل أيضًا الطريقة التي أُعلن بها. لم يكن من المعتاد أن يتم الإعلان عن اجتماعات هيئة القيادة بهذه العلنية، فقد كانت هذه الاجتماعات محصورة في الغرف المغلقة لسنوات. اليوم، يعكس إعلان الجيش عن الاجتماع وتغطية الإعلام له تحولًا نوعيًا في تعاطي المؤسسة العسكرية مع الرأي العام ومفهوم السلطة في السودان. الجيش الآن يتحمل مسؤولياته الوطنية والسياسية بوضوح، ويخرج من مربع التحفظ إلى فضاء الإعلان والشفافية.
وما يثير الانتباه هو الحضور المكثف لأعضاء مجلس السيادة العسكريين في هذا التشكيل، مثل الفريق أول شمس الدين كباشي، الفريق أول ياسر العطا، والفريق إبراهيم جابر. هؤلاء ليسوا مجرد ممثلين للجيش في السلطة، بل هم شركاء في صياغة التوجهات السياسية والعسكرية للمرحلة المقبلة. ويبدو أن هذه الخطوات تؤكد أننا على أبواب صياغة جديدة للسلطة في السودان، مع التركيز على الاستقرار والأمن أولًا، ثم الانتقال إلى مرحلة جديدة من التغيير.
هذا الواقع يعيد إلى الأذهان تجربة المشير عبد الرحمن سوار الذهب في عام 1985، ولكن مع إدراك أعمق للمتغيرات الجديدة التي فرضتها الحرب الحالية. إن الصراع الطويل والظروف السياسية والاقتصادية الصعبة جعلت المجتمع الدولي، الذي كان يراهن على حكومة مدنية، يعيد تقييم موقفه. اليوم، لم يعد الاستقرار في السودان مرهونًا بنوعية النظام السياسي بقدر ما هو مرتبط بالأمن والسيطرة على الأوضاع.
الأمم الكبرى والمؤسسات الدولية، وحتى القوى الإقليمية، أصبحوا أكثر قبولًا لإدارة عسكرية مستقرة، طالما أنها تضمن الأمن وتمنع تفكك الدولة أو فشلها. وفي ظل هذا الواقع، أصبح مفهوم “حكم الجيش” ضرورة في هذه المرحلة، لتوجيه السودان نحو فترة انتقالية يقودها الجيش بمشاركة حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية، بعيدًا عن المحاصصات الحزبية.
ومع هذه التحولات، يبقى المواطن السوداني في قلب الصورة، حيث أن الأولوية الآن هي لعودة الاستقرار والأمن، بعيدًا عن الفوضى السياسية. في هذا السياق، يعتبر الاجتماع الأخير لهيئة القيادة العسكرية خطوة تأسيسية في إعادة بناء الدولة، والتي تبدأ من الأمن وتنتهي بالانتقال السياسي المستقر. مع ضمان أن يكون هناك جدول زمني واضح وإطار دستوري يحترمه الجميع، بعيدًا عن هشاشة المراحل السابقة.
يبدو أن السودان اليوم ليس فقط في مرحلة إعادة إنتاج تجربة سوار الذهب، بل قد يكون بصدد تطويرها بما يتناسب مع تعقيدات الواقع الراهن. وإذا نجحت القيادة العسكرية، مع حكومة الكفاءات الوطنية بقيادة الدكتور كامل إدريس، في إدارة هذه المرحلة بشكل مسؤول، فإن السودان قد لا يخرج فقط من أزمته الحالية، بل سيستعيد مكانته كفاعل إقليمي في ضمان أمن القرن الإفريقي.
إنها لحظة تاريخية نادرة، يمكن أن تفتح أمام السودان طريق الخروج من الحرب عبر بوابة قرار وطني مستقل، يحمل شعار “الأمن أولًا”، “السيادة بلا وصاية”، و”الانتقال على أساس المشروع الوطني الجامع للسودانيين”.
دمتم بخير وعافية.
السبت 30 أغسطس 2025م
Shglawi55@gmail.com

التعليقات مغلقة.