الاحداث نيوز
عين الحقيقة

الحزب الشيوعي يقرأ كتاب الترابي

الحزب الشيوعي يقرأ كتاب الترابي… من الأطراف لا من المركز

 

 

 

✒️ وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

مقالات الاحداث نيوز – رغم تكتيكاته الدقيقة، وتموضعه الدائم خارج ثنائيات السلطة والمعارضة التقليدية، لا يزال الحزب الشيوعي السوداني أحد أكثر الأحزاب إثارة للجدل في الساحة السياسية. ومع تداعيات الحرب والانهيار الشامل في مؤسسات الدولة، برزت مبادرته الأخيرة في مدينة عطبرة كخطوة لافتة، تعكس تحولًا في طريقة تعاطيه مع الواقع السوداني المتغير.

 

ففي خطوة تجاوزت البيانات السياسية والخطابات الأيديولوجية، بادر الحزب بتمويل شبكة طاقة شمسية لتشغيل محطتي الكهرباء الرئيسيتين في عطبرة، بهدف إنهاء أزمة التيار الكهربائي وتخفيض كلفة تشغيل المولدات بالوقود. هذه المبادرة، التي رحّبت بها حكومة الولاية، لم تكن مجرد عمل خدمي، بل تحمل دلالات سياسية عميقة تتعلق بإعادة تعريف دور الحزب في مرحلة ما بعد الحرب.

 

الحزب المعروف بمواقفه الراديكالية، بدا وكأنه يعيد قراءة اللحظة بوعي جديد، يجمع بين الصرامة الأيديولوجية والواقعية السياسية. وهو في موقفه من الحرب، اتخذ خطًا واضحًا في إدانة مليشيا الدعم السريع وجرائمها في الخرطوم ودارفور والجزيرة، دون أن ينسى تحميل الجيش أيضًا جزءًا من مسؤولية اندلاع الحرب وتفاقمها.

 

فعلى سبيل المثال، أدان الحزب مجزرة معسكر زمزم بالفاشر في أبريل 2025 واصفًا إياها بـ”الوحشية”، كما سبق أن أدان الجرائم المرتكبة في الجزيرة عام 2024 واعتبرها امتدادًا لسياسات التطهير العرقي. وفي ذات الوقت، دعا إلى تفكيك كافة البُنى العسكرية الموازية، بما فيها الدعم السريع، وإنهاء تدخل الجيش في السياسة، وتأسيس سلطة مدنية كاملة.

 

هذا الموقف المزدوج – الواضح في إدانة المليشيا والناقد للمؤسسة العسكرية – وضع الحزب في منطقة رمادية، غير مريحة للسلطة، لكنه في المقابل عزز من صدقيته الأخلاقية والسياسية وسط قطاعات واسعة من الشعب، خصوصًا في المناطق المتأثرة بالحرب.

 

من السياسة إلى الخدمات: قراءة جديدة للميدان:

المبادرة في عطبرة تمثل تحوّلًا في خطاب الحزب من مواجهة الدولة إلى مشاركة الناس في معركتهم اليومية ضد الانهيار. لقد أصبح الحزب، على نحو غير مألوف، يتحدث بلغة الماء والكهرباء، لا المانيفستو. وهو بذلك يُعيد، ولو بشكل غير مباشر، قراءة مقولة د. حسن الترابي في كتابه قضايا التجديد، حيث يرى أن التغيير لا يأتي من المركز، بل من الأطراف المهمشة، ومن رحم المعاناة.

 

غير أن هذا التحوّل لا يمكن فصله عن التحوّلات الأوسع في المزاج الشعبي السوداني بعد الحرب. فالشعب – المنهك من القتال والانقسام – لم يعد مستعدًا لتجريب الشعارات الثورية، بل يتطلع إلى حلول واقعية واستقرار حقيقي.

 

هل من تقارب مع الحكومة؟

المزيد من المشاركات

الالتقاء الظاهري بين الحزب والحكومة في الموقف من الدعم السريع لا يعني بالضرورة تقاربًا سياسيًا. فالحزب لا يعترف بشرعية الحكومة الحالية ويعتبرها امتدادًا لانقلاب عسكري، كما يرفض مقايضة العدالة بالاستقرار، على عكس بعض القوى الأخرى.

 

بل يمكن القول إن أي محاولة حكومية لاستثمار مواقف الحزب في تعزيز شرعيتها أو تصفية خصومها تحت غطاء “مكافحة التمرد” ستؤدي حتمًا إلى اصطدام مباشر، خاصة إذا واصل الحزب المطالبة بمحاسبة قادة الجيش والدعم السريع معًا، وهو ما يُصر عليه حتى الآن.

 

ما بعد الحرب: من يملك المبادرة؟

 

في مرحلة ما بعد الحرب، لم يعد الصوت الأعلى هو الأكثر تأثيرًا، بل المبادرة الأكثر واقعية. الحزب الشيوعي، بتحرّكه في عطبرة، يفتح نافذة لممارسة سياسية جديدة تنبع من قاع المجتمع لا من أبراجه العالية، ومن هموم الكهرباء لا من مكاتب القيادة المركزية.

 

فهو لا يقرأ الترابي كمفكر سياسي منافس، بل يعيد تأويل أفكاره في سياق وطني مختلف، مستفيدًا من فلسفة “التغيير من الأطراف” دون أن يتخلى عن مركزية مشروعه السياسي.

 

وإذا ما أراد الحزب فعلاً العودة إلى الخرطوم كقوة فاعلة في المعادلة السياسية الجديدة، فإن عليه أن يستمر في الانتقال من التحشيد إلى الترميم، ومن الخطاب الثوري إلى العمل الميداني المؤثر، الذي يتجاوب مع حاجات الناس ويخاطب وجدانهم لا فقط عقولهم.

 

الخلاصة:

الحزب الشيوعي السوداني لا يعيد فقط قراءة كتاب الترابي، بل ربما يكتبه من جديد… بلغة الناس، ومن قلب الميدان.

 

الخميس 7 أغسطس 2025م

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

📧 shglawi55@gmail.com

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.