متابعات _ الأحداث نيوز _ هل بات السودان خارج الحسابات الأمريكية؟
إبراهيم شقلاوي : وجه الحقيقة
في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ألقاه أثناء زيارته للسعودية في المنتدى الاقتصادي السعودي-الأمريكي، غاب السودان تمامًا عن أي إشارة أو تلميح. كان هذا غريبًا بالنظر إلى الأوضاع الراهنة في المنطقة، خصوصًا الحرب المستمرة في السودان منذ 15 أبريل 2023. إذ كان من المتوقع أن يتطرق ترامب إلى الأزمة السودانية التي تشغل الرأي العام الإقليمي والدولي، ولكن لم يذكرها على الإطلاق، مما يعكس تجاهلًا صارخًا للسودان في خطاب الرئيس الأمريكي.
إن هذا التجاهل يُعد إشارة واضحة على أن السودان قد أصبح خارج الحسابات الأمريكية، أو أن ملفه قد أُحيل إلى طاولات تفاوض سرية في عواصم أخرى بعيدًا عن الأضواء، حيث تتم التفاهمات الإقليمية بعيدًا عن التدخل المباشر من واشنطن. الرئيس الأمريكي بدلاً من ذلك، ركز على قضايا أخرى مثل إيران وسوريا وغزة، بالإضافة إلى العلاقات مع تركيا وإسرائيل. أما السودان الذي يواجه حربًا مدمرة، فلم يكن حتى في صلب خطابه، مما يعكس تبدلاً كبيرًا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة.
إن ما يعكس أكثر هذا التوجه هو الاستجابة البطيئة والمرتبكة من قبل المجتمع الدولي للأزمة السودانية، إذ اقتصرت الردود الأمريكية على بيانات دبلوماسية تدعو إلى وقف إطلاق النار، دون أي مبادرات عملية لوقف النزاع. حتى عندما شاركت الولايات المتحدة كوسيط في المحادثات في جدة، لم تنجح في الضغط على مليشيا الدعم السريع لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها في 11 مايو 2023. وهذا التراخي الأمريكي يعكس سياسة قد تكون آخذة في الانكفاء بعيدًا عن التورط المباشر في الأزمات الإقليمية.
في الوقت نفسه، ظهر تأثير أبوظبي بشكل واضح في الملف السوداني، حيث دعمت مليشيا الدعم السريع، وكان ذلك سببًا مباشرًا في قطع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وصفها السودان بأنها “دولة عدوان”. وفي خضم هذا الصمت الأمريكي، نجحت أبوظبي في وضع نفسها كمركز إقليمي للتفاوض حول الأزمة السودانية.
موقف الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة بايدن كان محط انتقاد كبير داخل السودان، إذ يرى البعض أن سياسة الديمقراطيين لم تكن جادة بما فيه الكفاية في التعامل مع الأزمة. وذهب البعض إلى القول بأن الصمت الأمريكي ربما كان مظهرًا من التواطؤ الضمني، الذي أسهم في خلق بيئة مواتية لاندلاع الحرب. هذا الإحساس بالخيانة السياسية دفع العديد من السودانيين إلى التطلع إلى العودة المحتملة للجمهوريين، وخاصة دونالد ترامب، الذي كان قد صرح في فترة رئاسته بأنه جاء “لوقف الحروب لا إشعالها”.
لكن مع انكفاء واشنطن وتراجع دورها في المشهد السوداني، قد يفتح هذا المجال أمام القوى الدولية الأخرى للتوسع في المنطقة. فالسودان، رغم الأزمات التي يعاني منها، لا يزال يحتفظ بموقع جيوسياسي مهم، بفضل موقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر وقربه من مضيق باب المندب، مما يجعله هدفًا لمنافسة القوى الكبرى في المنطقة.
ومع تصاعد التحركات الدولية في السودان، بدأت تظهر مجددًا تقارير عن محاولات روسية لإحياء اتفاقية قديمة مع الخرطوم بشأن إنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول حجم التنافس الدولي في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، لا يغيب عن المشهد الدور التركي الذي يسعى إلى تعزيز نفوذه في البحر الأحمر عبر اتفاقية سابقة مع السودان لإعادة تأهيل جزيرة سواكن.
ورغم تراجع دور الولايات المتحدة في الملف السوداني، فإن الصين تُعد شريكًا اقتصاديًا مهمًا للسودان. وتعتبر الصين أكبر شريك تجاري للسودان، وتستعد للاستثمار في مشروعات كبيرة للبنية التحتية والطاقة، في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. هذا التعاون الاقتصادي لا يُمثل فقط تحديًا للنفوذ الأمريكي، بل يشكل أيضًا قوة اقتصادية مؤثرة في المنطقة.
أمام هذا المشهد الدولي المعقد، يبدو أن الولايات المتحدة تسعى للمراقبة والتحفظ أكثر من التدخل المباشر. على الرغم من أن تجاهل السودان قد يفتح المجال لمنافسين استراتيجيين، إلا أن واشنطن تفضل أن تبقي السودان في حالة “توازن ضعف”، مما يمنحها القدرة على التدخل في المستقبل وفقًا لمصالحها.
في النهاية، فإن السياسة الأمريكية تجاه السودان تبدو متأرجحة بين المراقبة والصمت، لكن في الوقت ذاته، تضع السودان في موقف حرج. فإما أن يستمر في كونه ورقة بيد القوى الإقليمية والدولية، أو أن يخطو خطوة نحو التحول إلى طرف فاعل يستطيع استثمار موقعه الاستراتيجي بشكل ذكي، ويخاطب العالم كشريك وليس ضحية.
الأربعاء 14 مايو 2025

التعليقات مغلقة.