لواء يكشف آخر التطورات ويؤكد انفتاح الجيش جزء من استراتيجية وخبراء عسكريون يحذرون
تقرير: سليمان سري
أكد الخبير العسكري والأمني اللواء الدكتور معتصم عبد القادر الحسن، المستشار في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، أن المواجهات الجارية حاليا في الخرطوم وولاية الجزيرة وسنار تعتبر جزءاً من عملية تكتيكية ضمن استراتيجية معدة من قبل القوات المسلحة، تعتمد على المفاهيم العسكرية في جميع المجالات، بما في ذلك توفير الدعم ودمج قوات متنوعة وفقاً لأدوارها.
قال الحسن لـ”راديو دبنقا”: إن هذه العملية أظهرت تقدم القوات المسلحة، وقدرتها على السيطرة على الأرض، وكشف مواقع العدو والقناصين والكمائن للتعامل معها في الوقت الحالي وفي المستقبل.
اعتبر أن مثل هذه الانفتاحات تُظهر كأحدى المعوقات التي قد تواجه هذه العمليات، لكنه أشار إلى أن هذه الخطوة تمثل تقدماً أكبر وأكثر شمولاً من الخطوات السابقة على الصعيدين الجغرافي والزمني، وأكد أنها ستثمر عن نتائج إيجابية، لكنه لفت إلى أن هذا يحتاج إلى وقت ليحقق ثماره الطيبة.
فيما يتعلق بالأوضاع في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تمر بحصار واشتباكات عنيفة منذ عدة أشهر، صرح اللواء الحسن بأن هناك عمليات عسكرية جارية في الفاشر خلال الفترة الماضية. وأشار إلى وصول إمدادات عسكرية إلى الفاشر بالإضافة إلى إسقاط عسكري في مدينة بابنوسة. ونفى وجود أي حصار وأكد أن المدينة تشهد تقدمًا كبيرًا.
اعتبر أن جميع هذه المناطق تشهد تطورًا ملحوظًا سواء في الخرطوم أو في الولايات، مؤكدًا أنه لا يوجد أي حصار حاليًا على أي موقع في الخرطوم، مُشيرًا إلى أن عمليات التحام هذه القوات تهدف إلى القضاء على قوات الدعم السريع في كافة المواقع.
التحام قديم:
قال الخبير العسكري الحسن إن من يظن أن القوات التابعة للجيش السوداني محاصرة فهو مخطئ في تقديره، حيث أشار إلى أن القوات المحاصرة حاليًا هي قوات الدعم السريع. وقدم دليلًا على ذلك بأن الحصار مفروض على قوات الدعم السريع، لافتًا إلى أنها أصبحت محاصرة من كافة الاتجاهات في منطقة مصفاة البترول من الجنوب والشرق والشمال.
ذكر أنه كان هناك تداخل قديم بين قوات معسكر حطاب وقوات الكدرو بعد السيطرة الكاملة على منطقة الكدرو، مشيرًا إلى أن ذلك من الجهة الجنوبية، بينما الجهة الشمالية تتعلق بولاية نهر النيل. وأضاف أن مناطق الفاو في ولاية القضارف شهدت أيضًا تحركات لاستئصال عدد كبير من تلك القوات في المنطقة، بواسطة القوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية التي تدعمها.
عبّر د. معتصم الحسن عن قناعته بأن قوات الدعم السريع تتعرض للتراجع في ولايات الجزيرة وسنار والخرطوم، وأشار إلى أن معظم هذه القوات والأسلحة الثقيلة قد تم سحبها إلى دارفور. كما أوضح أن المعارك في دارفور لا تزال مستمرة، ولكن سيتم تأمين دارفور وكردفان بشكل متزامن من قبل القوات المسلحة بعد الانتهاء من معارك الخرطوم.
معارك نهرية:
وأكد الخبير العسكري د.معتصم عبدالقادر الحسن في تصريحات له لـ”راديو دبنقا” بأنه يتم حاليًا تجهيز وتخزين قوات في بابنوسة والأبيض استعدادًا للمعركة القادمة. واعتبر أن المعارك في الخرطوم والجزيرة وسنار أصبحت الآن في انتظار الوقت المناسب وأن كل التحضيرات جارية، سواء على مستوى القوات البرية أو الجوية أو البحرية. وأشار إلى أن القوات البحرية قد شاركت في الهجوم على جزيرة توتي، وتوقع أن تحدث معارك نهرية.
أكد أن جميع هذه الترتيبات ستتم بشكل متتابع، مشددًا على عدم وجود أي نقص أو حاجة لهذه القوات، وأن سلاسل إمدادها ستظل مفتوحة، موعدًا بتحقيق نتائج قريبة.
فك الحصار:
أصدر عدد من ضباط القوات المسلحة المتقاعدين تقريرًا عسكريًا نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قالوا: “تابعنا كضباط معاشيين المعارك التي جرت يوم الخميس، نظرًا لأنها كانت أولى المعارك الهجومية المتزامنة لقوات المسلحة منذ بداية الحرب الحالية قبل عام ونصف، والتي شاركت فيها وحدات من قوات المشاة المختلفة وسلاح الطيران.”
أفاد التقرير بأن قوات الجيش قامت بمحاولة توسيع نطاق عملياتها في عدة محاور داخل العاصمة، من خلال عدة جسور على النيلين الأبيض والأزرق، باتجاه مدينتي بحري والخرطوم. كان الهدف من ذلك هو التقاء القوات من القيادة العامة والمدرعات وسلاح الإشارة وقوات من منطقة الكدرو، بهدف فك الحصار عن معسكرات القوات المسلحة في القيادة العامة، الكدرو وسلاح الأسلحة.
وأشار إلى أن القوات المسلحة قامت بتعبئة عدد كبير من العناصر، تم تجميع أغلبها بسرية تامة في محاور أمدرمان. وكانت المباغتة عنصرًا أساسيًا في الهجوم الذي وقع يوم الخميس، لكن “قوات العدو” كانت لديها المعلومات اللازمة وكانت مستعدة في جميع مداخل الجسور، مما أدى إلى عرقلة القوة المتحركة ومنع الأطراف من تحقيق الإلتحام المستهدف، مما تسبب في خسائر كبيرة بين القوات.
أشار التقرير إلى أن الاشتباكات انطلقت في وقت مبكر من فجر اليوم الخميس، وأن الهجوم جاء بشكل منسق لإرباك القوات المدافعة، مما أتاح تدمير خطوطها الأمامية ومنعها من التعزيز والدعم.
ذكر أن قوات الجيش بدأت في محور السلاح الطبي بالتوجه شرقًا عبر كبري الحديد، حيث كان الهدف من هذا التقدم هو الالتقاء مع الجيش في القيادة العامة. ومع ذلك، واجهت هذه القوات تحديًا كبيرًا في التقدم بسبب الكثافة العالية لانتشار القنّاصة في منطقة المقرن، على الرغم من المحاولات لاستهدافهم بالطائرات والمسيرات.
قال إنهم شكلوا تهديدًا كبيرًا للقوات المتحركة، وتم شن هجوم آخر عبر كبري الفتيحاب، بهدف تخفيف الضغط والهجوم على الاستراتيجية، والتوجه عبر شارع الغابة للانضمام للمدرعات القادمة من جهة الشجرة. ومع ذلك، واجه هذا المحور نيرانًا كثيفة بالقرب من الاستراتيجية، مما اضطر القوات المتحركة للتراجع مبكرًا. وأشار إلى أن معظم الخسائر في هذه القوات كانت على سطح الكوبري نتيجة للقصف المدفعي، مما أدى إلى تكبد القوات خسائر كبيرة في هذا المحور.
خسائر وتراجع:
أوضح تقرير الخبراء العسكريين أن القوات المسلحة تحركت غربًا عبر شارع النيل في القيادة العامة وسلاح الإشارة، حيث التقت بقوات الجيش في السلاح الطبي على الجانب الآخر. وتمكنت القوات من التقدم حتى وصلت إلى كبري المك نمر، ولكنها لم تتمكن من الانفتاح بشكل كبير بسبب عدم وجود خطوط إمداد مفتوحة ومتصلة، بالإضافة إلى فشل الخطة نتيجة عدم قدرة الجيش في السلاح الطبي على فرض السيطرة على الجهة الشرقية من الكبري. ولذلك، واجهت القوات مقاومة كبيرة مما اضطّرهم للانسحاب والتراجع إلى مواقعهم في أمدرمان مع تكبد خسائر في المعدات والأرواح.
ذكر التقرير أن القوات المسلحة قد تقدمت في منطقة بحري نحو الكدرو في اتجاه كبري الحلفايا، حيث ستلتقي مع القوات القادمة من جهة أمدرمان، كما حدث في محاولات سابقة.
وأضاف: استطاعت قوات الكدرو الوصول إلى منطقة الإزيرقاب على بُعد نحو 2 كيلومتر تقريبًا من جسر الحلفايا، إلا أنها واجهت مقاومة كبيرة وكثافة نيران من قوات الدعم السريع في هذا الاتجاه، ولم تتمكن من التقدم كثيرًا رغم أنها صمدت لفترة أطول مقارنةً ببقية القوات المتحركة الأخرى.
أشار التقرير إلى أن القوات العسكرية القادمة من أمدرمان لم تتمكن من تأمين المنطقة الشرقية من كبري الحلفايا، حيث حاولت تنفيذ هجوم عدة مرات لكنها لم تنجح، مما ساهم في زيادة خسائرها في ذلك المحور. وفقًا لأحدث التحديثات، كانت أصوات القذائف المتبادلة مسموعة في هذا المحور حتى قرب شروق الشمس، لكنها كانت متقطعة، ويعتقد أغلب الخبراء أن المعارك قد توقفت.
تحذير من”اللايفاتية”
خلص تقرير ضباط الجيش المتقاعدين إلى أن القوات المسلحة والمشتركة من الحركات والمستنفِرين تكبدت خسائر فادحة في الأرواح والمعدات خلال معركة يوم الخميس السادس والعشرين من هذا الشهر، بسبب غياب عنصر المفاجأة وانقطاع سلاسل الإمداد. وأكد التقرير أن تحركاتهم كانت واضحة للعدو، بالإضافة إلى انتشار الكثير من الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي حول الانفتاح المتوقع للقوات المسلحة، مما أثر سلباً على سير العمليات وأدى إلى خسائر كبيرة، كما أضاع جهود ستة أشهر من التحشيد والتجهيز.
تعهد الخبراء العسكريون بإصدار تقرير آخر أكثر تفصيلاً وشمولاً في الأيام القليلة المقبلة حول هذه التحركات، التي أشاروا إلى أن القوات المسلحة فقدت فيها عددًا كبيرًا من الضباط والجنود والمعدات، في وقت كانت فيه بحاجة ماسة لتجميع القوة والتحرك الهجومي بحذر، مع تعزيز القوة الدفاعية للمراكز الرئيسية في المهندسين والمدرعات والقيادة العامة والإشارة ومنطقة كرري، مما سيكون له تأثيرات في الأيام القادمة.
أوصى تقرير الخبراء العسكريين بضرورة عزل إدارة العمليات العسكرية عن تأثير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مطالبًا بالتوقف عن التأثر بآراء ما يسميهم “اللايفاتية” والضغوط التي يمارسها بعض كبار الضباط للخروج في هجمات وعمليات مكلفة من الناحية السياسية دون تقييم شامل للوضع العسكري، مما يعرض القوات لخسائر يصعب تعويضها في وقت قصير.
صورة ذهنية:
عند العودة إلى الخبير العسكري والأمني اللواء الدكتور معتصم عبدالقادر الحسن، المستشار بالأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، اعتبر أن تقرير الخبراء العسكريين حول معارك الجيش الأخيرة استند إلى تصور مثالي لما ينبغي أن يكون. وأوضح أن نجاح هذا الهجوم الشامل يكمن في توضيح مواقع انتشار قوات ومدفعية قوات الدعم السريع، مما أدى أيضًا إلى فرار عناصرها من مختلف المحاور. وأشار إلى أنه لولا حساسية المعلومات، لكان بالإمكان نشر صور وفيديوهات تظهر النتائج المذهلة.
وشدد الخبير العسكري د.معتصم عبدالقادر الحسن إلى أن هذه تعتبر جزءًا من خطة استراتيجية شاملة، تم الإعداد لها بشكل كامل، ومن المؤكد أن نتائجها سوف تظهر عند انتهاء الفترة المحددة.