عمر الدقير يكتب عن جولات تفاوض الجيش والدعم

662

كما هو معلوم، انعقدت عدة جولات تفاوض – بين ممثلين للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع – بمدينة جدة في السعودية بهدف الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار ومعالجة الكارثة الإنسانية، وأعقبتها جولة أخرى انعقدت الشهر الماضي في مدينة المنامة على شَطِّ البحرين للوصول لذات الهدف، ولكن في كلا المدينتين بقي الهدف المأمول بعيد المنال .. والآن يترقب السودانيون جولة مفاوضات جديدة بين الطرفين في سويسرا حسب إعلان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث – UNReliefChief@ .

إذا انعقد اجتماع في سويسرا أو غيرها بنفس النهج التكتيكي فليس من المتوقع أن يفضي إلى نتائج ملموسة على الأرض، لأن المفاوضات بهذا النهج الفاقد لإرادة السلام الجادة وعلى هذا النحو المتقطع لا يتراكم فيها شيء، بحيث تكون العودة في كل جولة إلى أول السطر، ويكون السودانيون في حالة انتظارٍ عقيم كما في مسرحية صامويل بيكيت العبثية “في انتظار غودو” .

ومن المؤسف أن يحدث هذا التسويف في الوقت الذي تواصل فيه الحرب القضاء على اليابس واليابس في وطننا – لأن مساحة الأخضر شَحّتْ لدرجة التلاشي – وتنجح في تحويل السودان إلى “أكبر حالة نزوح في العالم” حسب وصف منظمة الهجرة الدولية، وتمنع الرعاية الصحية عن أكثر من ١٥ مليون سوداني وفقاً لآخر إفادة من منظمة الصحة العالمية، وتضع 18 مليون تحت تأثير أزمة غذائية حادة حسب تقديرات برنامج الغذاء العالمى، ويتكفل الجوع بإرسال طفلٍ بريءٍ إلى القبر – كل ساعتين – بدلاً من المدرسة أو الملعب، بينما نقلت أنباءُ يوم أمس أن حوالي ثلاثين سودانياً لحقوا بمن سبقوهم إلى بطون الحيتان في البحر الأبيض المتوسط قبالة الشواطئ التونسية خلال محاولة نزوحهم التراجيدي من واقع الحرب بحثاً عن ملاذٍ آمن وأسباب عيشٍ كريم .. إنه واقعٌ يثقل القلوب بالحزن والأسى، بَيْدَ أنه لا يقتل فيها الأمل ولا يعفي من واجب العمل الجماعي لتحقيق الأمل.

لن نملّ القول بأنه لا بديل عن الحل السياسي السلمي للصراع المدمر في بلادنا، ومع تقديرنا للجهود الدولية والإقليمية الساعية للمساعدة في إنهاء هذا الصراع، يبقى التعويل الأساسي على إرادة السودانيين التي أنجزت ثورة ديسمبر المجيدة وكل المآثر الوطنية الكبرى في تاريخنا.

ليس هناك ما يمنع السودانيين – عسكريين ومدنيين – من التلاقي والالتئام بإرادة وطنية خالصة لإنجاز مأثرة وقف الحرب وخلاص بلادهم من ويلاتها وتداعياتها ..

كل ما هو مطلوب قهر سخائم النفوس والتخلي عن مزاعم احتكار الحقيقة والتحلي بالروح النقدية وشجاعة الاعتراف بالأخطاء، وهجران خطاب الكراهية، وتصعيد القيم الإنسانية والوطنية النبيلة لدحض مشروعية فكرة الحرب وهزيمة إرادة قارعي طبولها ودعاة استمرارها بهدف إعادة شعبنا للمراوحة في مدارهم المظلم، لصالح الانتصار للوطن باشتقاق مسار سياسي سلمي – على وقع إرادة شعبنا التي عَبّرت عنها #ثورةديسمبرالمجيدة – يبدأ بوقف إطلاق النار وعودة المواطنين لمنازلهم ومرافق الخدمات الأساسية للعمل وإنهاء بشاعة الانتهاكات والشروع في معالجة الكارثة الإنسانية، ومن ثم مخاطبة قضايا الأزمة الوطنية المتراكمة عبر عملية سياسية تطوي صفحة الحروب وتنهي ظاهرة تعدد الجيوش وتضمن تحقيق العدالة وتضع الوطن على درب السلام المستدام والديمقراطية الراسخة والتنمية المتوازنة والنهضة الشاملة.

التعليقات مغلقة.