الاحداث نيوز
عين الحقيقة

رشان أوشي تكشف خفايا مثيرة لمحاولة الدعم السريع السيطرة على بابنوسة؟

رشان أوشي تكشف خفايا مثيرة لمحاولة الدعم السريع السيطرة على بابنوسة؟

 

مقالات – الاحداث نيوز – رشان أوشي تكتب

الإمارات والسودان… جغرافيا الذهب وخرائط القوة (١)

في الهضاب الممتدة بين كردفان ودارفور، تتكشف واحدة من أعقد خرائط النفوذ الإقليمي في السودان. ليس الحديث هنا عن صراع عابر، بل عن إعادة هندسة مجتمعية تسعى فيها أبوظبي إلى إعادة تشكيل ممرات الموارد عبر استثمار هشاشة الدولة السودانية وحالة التفكك الأهلي.

 

محاولة الاستيلاء على “بابنوسة” تؤكد أن الإمارات في سباق محموم لتثبيت نفوذها في كردفان بعد سقوط دارفور في الفوضى. الإقليم، الذي طالما اشتهر بتنوعه الثقافي والعرقي، تحول إلى منطقة مفتوحة لإعادة الإنتاج السياسي والعسكري لشبكات الذهب، ولممرات تصديره عبر جنوب السودان وكينيا وصولاً إلى دبي. ولأكثر من عشر سنوات ظل “عبدالعزيز الحلو” يسيطر على العديد من مناجم الذهب في جنوب كردفان.

 

لتحقيق ذلك، نسجت أبوظبي خريطة وعود سياسية مع الفاعلين المسلحين في إقليمي دارفور وكردفان، حاملة ملامح مشروع رسم هندسة سكانية جديدة. “آل دقلو” وعدوا بأرض دارفور لإقامة كيان يجمع عرب الشتات الإفريقي، والحلو تلقى وعوداً بكردفان الجنوبية، فيما حصل قادة “المسيرية” المتحالفون مع “آل دقلو” على تعهّدات غير معلنة في كردفان الغربية.

 

هذه الوعود ليست مجرد تحالفات سياسية، بل محاولة لإعادة هندسة المجالين السياسي والاجتماعي في غرب السودان، حيث تتداخل سلطة المليشيا مع شبكات السوق وحسابات الجغرافيا الاستراتيجية.

 

المزيد من المشاركات

ولهذا تسعى مليشيا “الدعم السريع” للسيطرة على “بابنوسة”، لتهدئة تذمر مقاتلي “المسيرية” الذين طالما اشتكوا من التمييز داخل البنية القيادية للمليشيا بين الرتب العسكرية والرواتب، والعلاج وتوزيع الغنائم. إنها خطوة لضبط التوازنات الداخلية قبل أي تفاوض أو إعادة توزيع للنفوذ.

 

تشير القراءة الأوسع إلى أن الإمارات تسعى إلى حزام نفوذ يمتد من كردفان حتى تشاد، في محاولة لإغلاق المجال أمام المشاريع السعودية الصاعدة في البحر الأحمر والساحل السوداني. لكن هذا المشروع يصطدم بجغرافيا اجتماعية معقدة وببنى قبلية لا تخضع بسهولة لمنطق التحالفات الخارجية، إضافة إلى نزاعات متجذرة بين الرعاة والمزارعين وجراح لم تندمل منذ الحرب الأولى في دارفور.

 

قبل أسابيع، أعلنت حركة “عبد الواحد نور” إدارة مدنية مستقلة لجبل مرة، في خطوة شكّلت انقلاباً على سلطة الدعم السريع في نيالا. وهكذا أصبحت دارفور فضاءً سياسيًا منقسمًا: دولة جبل مرة بقيادة “عبد الواحد”، ودولة “آل دقلو” التي تعتمد أكثر على المليشيا العابرة للحدود من اعتمادها على إدارة مدنية.

 

أما في كردفان، فالحسابات أكثر تعقيداً. النوبة، الذين تشكّلت هويتهم على عقيدة المقاومة والصمود، لن يتخلوا عن أرضهم مهما تعاظمت الوعود الخارجية. وسيجد “عبدالعزيز الحلو” نفسه تحت ضغط مزدوج: من شعب النوبة ومن المسيرية الذين يمتلكون امتدادات رعوية واسعة.

 

إنها معادلة استحالة سياسية؛ الإقليم ليس صفحة بيضاء يمكن إعادة رسمها وفق تصورات الإمارات أو غيرها. ما يجري اليوم في السودان هو صراع على الجغرافيا والهوية والموارد، والمشروع الإماراتي لن يمر بسهولة لأنه يواجه مجتمعات ترى الأرض امتدادًا لكرامتها ووجودها.

 

في كردفان ودارفور، كل قبيلة خريطة، وكل جبل تاريخ، وكل وادٍ حدود سياسية غير مكتوبة. لذلك، أي قوة خارجية ستكتشف أن النفوذ في هذه الأرض لا يُنتزع بالسلاح فقط، بل بموافقة المجتمعات الأصلية… وهذه هي العقدة التي لم تُحل بعد.

 

غداً: المشروع الإماراتي في سهل البطانة… كيف أفشله “كيكل” بانسحابه من الدعم السريع.

 

محبتي واحترامي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.