إبراهيم شقلاوي يكتب: “حكومة الأمل بين سوء التقدير… وسوء الطالع”
مقالات – الاحداث نيوز – منذ أن تسلم الدكتور كامل إدريس رئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية السودانية، وجد نفسه في قلب عاصفة داخلية وخارجية؛ داخلياً يعاني من هشاشة البنية السياسية والإدارية، وخارجياً يسعى جاهداً لإعادة صياغة علاقات السودان مع محيطه الإقليمي والدولي، واستعادة ثقة ضائعة منذ سنوات.
لكن الطريق إلى ذلك بدا مفروشًا بالعثرات. فمحاولات الانفتاح السياسي والاقتصادي لم تنتج حتى الآن اختراقات ملموسة، بل تتكرر معها الإخفاقات في مشاهد تتنوع في تفاصيلها، وتتّحد في نتيجتها: انعدام التقدير السياسي، وغياب الحس الاستراتيجي.
زيارة بلا نتائج… ومشهد مربك:
آخر هذه المشاهد تمثّل في زيارة رئيس الوزراء إلى المملكة العربية السعودية، زيارة وُصفت بأنها فرصة ذهبية لإعادة التموضع الدبلوماسي وفتح أبواب الشراكات الحيوية، خصوصاً في ظل أزمات اقتصادية خانقة.
لكن ما حدث كان أقرب إلى انتكاسة دبلوماسية: وعكة صحية مفاجئة لرئيس الوزراء أربكت الجدول، ألغت لقاءات، وأطفأت الزخم السياسي الذي سبق الزيارة.
صحيح أن البيان الرسمي أرجع الأمر إلى “الإجهاد”، لكنّ السؤال الجوهري لا يتعلق فقط بصحة رئيس الوزراء، بل بكفاءة من حوله: أين كان التقدير؟ ولماذا لم يُعد النظر في توقيت الزيارة مسبقًا؟ المملكة العربية السعودية ليست وجهة عادية، بل دولة محورية في ملف السودان، ولا تحتمل التعامل معها بخفة سياسية أو إدارية.
الرسائل التي لا تُقال… تُفهم خطأ:
إن سوء إدارة هذه الزيارة أرسل إشارات سلبية للداخل والخارج، وفتح الباب لتكهنات وتأويلات إعلامية، بعضها بالغ السوء. ما يُضعف صورة الدولة، ويضر بعلاقاتها مع شريك إقليمي بالغ التأثير. فالدبلوماسية، كما هو معلوم، لا تحتمل الفوضى، ولا تعترف بـ”الصدف السيئة”.
وما زاد من حجم المفارقة أن هذه الزيارة تزامنت مع زيارة رسمية ناجحة لرئيس وزراء باكستان، الذي حظي باستقبال رسمي ووقّع اتفاقيات استراتيجية، في مشهد يكشف الفارق الشاسع في التحضير والنتائج، ويجعل المقارنة مؤلمة ومقلقة في آن.
أزمة في عقل الدولة:
المؤسف أن هذا الفشل لم يكن استثناءً، بل تكراراً لنهج ظهر في زيارات سابقة، منها زيارة القاهرة التي خرجت بتغطية إعلامية بلا مضمون دبلوماسي ملموس. يبدو أن الحكومة الانتقالية – رغم نواياها الطيبة – تُدار بعقلية إدارية لا سياسية، وبأسلوب وظيفي لا يتناسب مع طبيعة اللحظة.
ولذلك فإن أزمة هذه الحكومة ليست فقط في ضعف الإنجاز، بل في غياب الرؤية، والعجز عن التقاط الفرص، وفي إدارة الملفات الكبرى وكأنها معاملات يومية لا ترتقي إلى مستوى “قيادة مرحلة انتقال”.
التحدي الحقيقي: فقدان البوصلة:
إذا استمرت هذه الحكومة في هذا الأداء المتعثر، فإن السودان لا يخسر فقط زيارات أو لقاءات، بل يخسر موقعه التفاوضي، وشبكة علاقاته، وصورته كدولة تُحسن التقدير السياسي. في لحظة إقليمية شديدة التعقيد، ومنافسة دولية على النفوذ في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، لا يملك السودان رفاهية الخطأ، ولا تكرار التجربة نفسها بوجوه مختلفة.
إن الحكومة التي سُمّيت “حكومة الأمل”، أصبحت اليوم – للأسف – محاصرة بسوء التقدير وسوء الطالع. وإذا لم تُعالج اختلالاتها بسرعة، فستتحول من فرصة للإنقاذ إلى عنوان جديد في سجل خيبات السودان السياسية.
في الختام:
ليست الوعكة الصحية هي ما يجب أن يقلقنا، بل الوعكة السياسية والإدارية العميقة التي تُدار بها البلاد.
وإذا كان الأمل قائماً، فلا بد أن يُترجم إلى فعل، وإلى عقل سياسي قادر على إدارة المرحلة لا الخضوع لها.
دمتم بخير
#وجه_الحقيقة

التعليقات مغلقة.