البرهان أم كامل؟ من يحكم السودان فعلياً
مقالات – الاحداث نيوز – بقلم: أسامة عبد الماجد
يبدو أن معظم المتابعين يغضّون الطرف عن واحدة من أعقد أزمات السودان في تاريخه الحديث: أزمة الشكل الدستوري وتوزيع السلطات. فحتى اللحظة، لا يستطيع أي متابع – سواء في الداخل أو الخارج – أن يحدد طبيعة النظام الذي يُدار به السودان: هل نحن أمام نظام رئاسي؟ أم برلماني؟ أم أننا نسير في منطقة رمادية لا تعترف بأي تصنيف دستوري واضح؟
لقد حاولت قوى “قحت” في فترتها الأولى فرض نموذج برلماني، عبر سحب أغلب الصلاحيات من مؤسسة الرئاسة، مما جعل رئيس الوزراء آنذاك، عبد الله حمدوك، يحكم فعليًا بصلاحيات أوسع من تلك التي تتيحها له أية وثيقة انتقالية. ومع التعديلات الأخيرة، عادت بعض تلك الصلاحيات إلى رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، دون أن يصحب ذلك توضيح حقيقي لطبيعة النظام المختار، أو إعادة ضبط العلاقة بين الرئاسات.
السودان لا يعيش فقط فراغًا دستوريًا، بل حالة من التضارب المؤسسي. فبينما يبدو أن البرهان لا يريد أن يُتهم بالسعي للحكم، إلا أن ممارسته للسلطة تؤكد رغبته في الحفاظ على أدوار سيادية محورية. وفي المقابل، يظهر الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء، وكأنه يسعى للحصول على ما حصل عليه حمدوك من صلاحيات، بل يتطلع – على ما يبدو – لتوسيع نفوذه عبر حقائب سيادية مثل الخارجية.
هل نذهب بوفدين إلى نيويورك؟
هذه الضبابية انعكست مؤخرًا في الحديث عن مشاركة وفدين سودانيين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل: وفد يقوده البرهان، وآخر يتزعمه كامل إدريس. مشهد كهذا – في حال حدث – سيضع السودان في موقف محرج دوليًا، ويكرّس صورة الدولة المتنازعة على الشرعية والصلاحيات.
ومما يعمّق الأزمة، أن هذا النوع من التداخل في الأدوار ليس الأول، ولن يكون الأخير، طالما ظلّت الوثيقة الدستورية خاضعة للتعديلات المرتجلة، وطالما ظلّ غياب الإجماع السياسي هو السائد.
التجربة البرلمانية… وهم مؤجل:
التاريخ القريب للسودان يثبت أن النظام البرلماني لا يناسب بيئتنا السياسية بعد. أحزاب ضعيفة، قيادات متنازعة، انقسامات أيديولوجية لا حدود لها… كل هذا يجعل من النظام البرلماني عبئًا، لا آلية للحكم الراشد. وحتى الحديث عن النظام المختلط يبدو فاقدًا للمضمون في ظل غياب اتفاق حقيقي حول “من يحكم، وكيف؟”.
بالمقابل، تجارب أنظمة رئاسية أو شبه رئاسية في دول عديدة – مثل مصر وفرنسا – أثبتت قدرتها على فرض الاستقرار المؤسساتي، عبر توزيع واضح للمسؤوليات بين الرئاسة ومجلس الوزراء.
غياب الحسم هو الأزمة:
إذا استمرت هذه الحالة المائعة، فإننا سنجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة. لا وثيقة حاكمة، ولا مؤسسات مستقرة، ولا صلاحيات واضحة. بل مجرد صراع صامت – أو معلن أحيانًا – بين مراكز نفوذ، كل منها يسعى لفرض الأمر الواقع.
ولذلك، فإن المطلوب اليوم ليس فقط الاتفاق على من يشارك في المحافل الدولية، أو من يقود ملفات السياسة الخارجية، بل إعادة النظر جذريًا في الوثيقة الدستورية، وتحديد جدول زمني دقيق للفترة الانتقالية، ووضع حد لهذه الحالة الانتقالية الممتدة بلا أفق.

فالسؤال لم يعد: البرهان أم كامل؟ بل متى نضع الأمور في نصابها الصحيح؟

التعليقات مغلقة.