الاحداث نيوز
عين الحقيقة

البرهان في النقعة

البرهان في النقعة

 

مقالات – الاحداث نيوز – بقلم: إبراهيم شقلاوي | وجه الحقيقة

في مشهد مليء بالرمزية والدلالات، اختار رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أن يوجّه خطابه إلى الشعب السوداني من قلب منطقة النقعة والمصورات بولاية نهر النيل، وذلك في الذكرى المئوية لتأسيس الجيش السوداني، ومرور 71 عامًا على سودنته.

 

اختيار النقعة لم يكن صدفة، بل خطوة محسوبة بدقة، تحمل رسائل سياسية وثقافية وتاريخية، وتوظّف ببراعة الإرث الحضاري العريق في معركة تخطّت حدود المواجهة العسكرية، إلى معركة الشرعية والسيادة والوجود.

 

رمزية المكان… استدعاء التاريخ لمواجهة الحاضر:

النقعة، هذه المنطقة التي شكّلت مركزًا مهمًا في مملكة مروي، لا تزال شاهدة على تاريخ ضارب في الجذور، حيث المعابد والروحانية والسياسة تقاطعت في حضارة كوش. ومن معابد آمون إلى معبد الأسد، ظل المكان موئلًا للحكم والسيادة منذ أكثر من ألفي عام.

 

أن يأتي خطاب القائد العام من هذا الموقع تحديدًا، فهو تذكير بأن السودان ليس مجرد دولة نشأت من حدود استعمارية، بل امتداد لحضارة أصيلة، كان فيها الحكم نابعًا من الأرض، لا مفروضًا من الخارج.

 

خطاب بوجهين: داخلي وخارجي:

على المستوى الداخلي، أكد البرهان أن القوات المسلحة كانت، ولا تزال، مؤسسة وطنية خالصة منذ تأسيسها عام 1925 باسم “قوة دفاع السودان”، لا تُنسب إلى استعمار أو ملكية، بل للشعب والوطن.

 

أما خارجيًا، فقد حمل الخطاب رسائل حاسمة بأن الجيش السوداني ليس مجرد مؤسسة أمنية، بل هو امتداد لتقاليد عسكرية عميقة، تحرس السيادة وتحفظ وحدة التراب. وأكد أن شرعية الحكم لا تُصنع في العواصم الإقليمية، بل تُستمد من التاريخ والتضحيات.

 

المزيد من المشاركات

ما وراء العيد… سردية السيادة الوطنية:

لم يكن خطاب البرهان مجرد مناسبة لاحتفال عسكري، بل إعادة تموضع استراتيجي للقيادة. فالظهور في النقعة جاء كجزء من معركة السردية؛ من يملك حق تمثيل الوطن، ومن يتحدث باسمه.

 

في هذا السياق، بدا واضحًا أن المعركة اليوم لم تعد تُحسم بالسلاح وحده، بل أيضًا بالكلمة، بالصورة، وباستدعاء التاريخ ليحسم الحاضر. وهنا، جاءت رمزية النقعة لتقول إن السودان لا يُدار من الخارج، ولا يُختطف من المجهول.

 

بين التعبئة والرمزية: نبرة محسوبة بدقة:

حمل الخطاب نبرة عالية استخدمت مفردات مثل “معركة الكرامة” و”دحر التمرد”، لكنه لم يكتفِ بالتعبئة، بل ارتكز أيضًا على رمزية واعية تؤكد أن الجيش ليس مجرد قوة قتالية، بل حامل للهوية الوطنية.

 

وقدّم الخطاب رؤية ثقافية سياسية تتجاوز الأمن، تخاطب وجدان الشعب، وتُعيد استدعاء المشروع الوطني في وجه قوى “طارئة بلا شرعية”.

 

السودان من النقعة: لا يُدار بالإنابة:

في نهاية المطاف، كانت النقعة أكثر من موقع جغرافي؛ كانت منصة لرسائل سيادية واضحة: السودان لا يُدار بالإنابة، ولا يُدار من خلف الحدود. القوات المسلحة ليست وصية على البلاد، لكنها درعها في وجه التفكيك والتدخل والخذلان.

 

وإذا كانت النقعة قد صمتت قرونًا، فقد عادت اليوم لتقول كلمتها بصوت عالٍ: هذه الأرض لها من يحميها، ومن يعرف قيمتها، ومن يستحق أن يتحدث باسمها.

 

الجمعة 15 أغسطس 2025م

Shglawi55@gmail.com

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.