الاحداث نيوز
عين الحقيقة

الفاشر تحتضر

الفاشر تحتضر

 

بقلم :وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

 

مقالات – الاحداث نيوز – تعاني مدينة الفاشر منذ أكثر من عام من حصار خانق تفرضه ميليشيا الدعم السريع، ما أدى إلى انهيار كامل في الخدمات الأساسية وظهور ظلال مجاعة تهدد حياة مئات الآلاف من سكانها. ورغم هذه الكارثة الإنسانية العميقة، لم يشهد المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، خطوات عملية وفاعلة تتناسب مع حجم المأساة.

 

في يونيو 2024، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2736 الذي دعا إلى وقف الحصار فورًا، وخفض التصعيد، وضمان حماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. لكن هذا القرار ظل حبرًا على ورق، دون آليات تنفيذ واضحة، بينما تتدهور الأوضاع المعيشية في الفاشر بوتيرة متسارعة.

 

وأكد الخبير الأممي المعني بحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، أن أولوياته تتمثل في حماية المدنيين، وتسهيل دخول المساعدات، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وضمان حرية عمل المنظمات الإنسانية. وفي تصريحاته الأخيرة، أعرب عن قلقه العميق من استمرار تدهور الأوضاع، مشيرًا إلى غياب أي تحرك فعلي على الأرض.

 

وفي المقابل، أعلنت الحكومة السودانية في يوليو 2025، خلال مؤتمر صحفي في بورتسودان، التزامها بتقديم الدعم الإنساني للجميع دون تمييز، وفتح المعابر والمطارات، بما في ذلك معبر أدري الحدودي مع تشاد، لتسهيل وصول المساعدات. كما أعلنت الحكومة قبولها هدنة إنسانية في الفاشر استجابة لمبادرة الأمم المتحدة.

 

ومع ذلك، لم تترجم هذه الإجراءات إلى تحسين ملموس على الأرض، حيث لم تشهد الفاشر أي عملية عسكرية فعالة لكسر الحصار، رغم توفر القدرات العسكرية لدى الجيش السوداني، وهو ما أثار تساؤلات عن أسباب التلكؤ، خاصة مع وجود قوات مشتركة “حركات سلام جوبا” في الخرطوم، التي سبق وأثبتت قدرتها على مواجهة الميليشيات.

 

المزيد من المشاركات

الأوضاع في الفاشر مأسوية بالفعل، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 38% من الأطفال دون الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، بينهم 11% في حالات حرجة تهدد حياتهم. والي شمال دارفور وصف الوضع بأنه “لا يُطاق”، مشيرًا إلى اعتماد السكان على بقايا الفول السوداني كغذاء رئيسي، وسط ارتفاع هائل في أسعار المواد الأساسية.

 

وفي سياق متصل، أبدى مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، استعداده للانفتاح على تحالف “صمود” وحتى ميليشيا الدعم السريع إذا أبدت التزامًا إيجابيًا، معبرًا عن رغبة في تحقيق السلام رغم الانتهاكات المستمرة.

 

إن ما يحدث في الفاشر ليس مجرد أزمة إنسانية بل اختبار حقيقي لدور الدولة السودانية وقدرة المجتمع الدولي على حماية المدنيين. لذلك، يجب على مجلس الأمن الدولي تحويل قراراته إلى إجراءات تنفيذية فعلية، تتضمن الضغط على ميليشيا الدعم السريع، وتفعيل الإسقاط الجوي العاجل للمساعدات، وفرض وقف إطلاق النار.

 

وفي الوقت نفسه، تقع على عاتق الحكومة مسؤولية تحريك قواتها نحو الفاشر، وتأمين الطرق والمطار، وفرض واقع جديد ينهى الحصار.

 

الفاشر ليست فقط مدينة محاصرة، بل هي مرآة إنسانية تعكس هشاشة الوضع في السودان، وصمت العالم تجاه مأساة تتفاقم يومًا بعد يوم. إذا لم تُتخذ خطوات جادة في الأيام القادمة، فقد تسقط الفاشر ليس فقط تحت الحصار، بل في ذاكرة الإنسانية كبؤرة مأساوية لا تغتفر.

 

دمتم بخير وعافية.

الأربعاء 30 يوليو 2025م

ibrahim.shqlwy@gmail.com

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.