زيارة تكشف المستور ..ماذا يحدث فعلاً في مطار بورتسودان؟
بقلم: عبدالماجد عبدالحميد
مقالات – الاحداث نيوز – في لحظة قررت أن أترك المسافة بيني وبين الشائعة، وأن أخوض تجربة المشاهدة المباشرة. ثلاث ساعات قضيتها في مطار بورتسودان، كانت كفيلة بكشف ما هو أبعد من الصورة النمطية التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي أو روايات الركاب الغاضبين.
هذا المطار، الذي أصبح النافذة الوحيدة للسودان على العالم بعد توقف معظم المطارات الأخرى بفعل الحرب، بدا لي من الداخل مختلفًا عن ذلك الذي نراه في الصور أو نسمع عنه في الشكاوى.
وجدت نفسي مضطرًا لأن أُقدّم اعتذارًا صريحًا لإدارة المطار والعاملين فيه. فقد رأيت ما يجعل من شبه المستحيل أن تُسرق حقيبة، أو أن تُفتح، أو أن تُخرّب بسكين أو أداة حادة كما يُروّج البعض.
منظومة أمنية دقيقة ومتفانية:
ما شاهدته كان عملًا متقنًا يبدأ من سلم الطائرة، مرورًا بصالة الوصول، حتى باب الخروج. تنسيق واضح بين الأجهزة الأمنية والإدارية، التزام كامل بإجراءات نقل الأمتعة.
هنا لا مجال للارتباك أو العشوائية، ولا مكان للتساهل. الجميع في موقعه، والكل يتحرك كأنه في غرفة عمليات دقيقة، هدفها الأول حماية ممتلكات الركاب.
لكن ما لفت نظري أكثر، هو الأمانة الشخصية للعاملين. رأيت بأم عيني أمانات ضائعة — هواتف، ساعات، أطقم ذهب، أموال — يتم تسليمها فورًا للإدارة. لا أحد يمد يده، ولا أحد يساوم ضميره. هذا سلوك نادر، ومُلهم، ويستحق الإشادة.
الحقيبة التي أثارت الجدل!
أما عن الحقيبة التي سمعنا عنها كثيرًا في الأيام الماضية — والتي زُعِم أنها فُتحت وسُرقت محتوياتها — فقد تتبعت مسارها، ولم أجد لها أثرًا في صالة العفش أو بين حقائب الركاب. الحقيبة لم تمر عبر منظومة المطار، بل وصلت عبر شركة “تاركو” التي وعدت بفتح تحقيق في مسارها وخط سيرها.
وعليه، فإن الاتهام الذي طال العاملين بالمطار يبدو مبنيًا على انطباع أو تشويش إعلامي، لا على وقائع.
المطار.. واقع صعب وإرادة صلبة:
مطار بورتسودان اليوم ليس ما كان عليه بالأمس. في عام 1992، كان بالكاد يستقبل طائرة تقل 75 راكبًا. الآن يستقبل يوميًا أكثر من 15 رحلة تقل ما لا يقل عن 1500 راكب.
ورغم هذا الزخم، يعمل الطاقم في بيئة لا تليق بمكانته، أو بحجم الضغط عليه. مشاكل الكهرباء والمياه متكررة، والمطار ينفق أكثر من 110 مليون جنيه أسبوعيًا لشراء الوقود اللازم لتشغيل المولدات.
عربات تالفة وطفح الحمامات.. أين الحكومة؟
المشهد في بعض أركان المطار محزن: عربات ترولي بالية، وبيئة نظافة متردية، وطفح متكرر في الحمامات.
ما جرى التوصل إليه مؤخرًا — من اتفاق لتبديل العربات وتوحيد زي العاملين — خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لا تكفي. الحكومة الاتحادية مطالَبة بالإسراع في تأهيل مطار بورتسودان، ليس فقط لأنه المنفذ الوحيد، بل لأنه واجهة الدولة ومحل ثقة المسافرين.
أما مشكلة الحمامات، فلا تزال عالقة بين الإهمال الإداري وسلوكيات الجمهور. لكنها، في النهاية، مسؤولية الإدارة أولًا وأخيرًا.
كلمة أخيرة:
خرجت من المطار وأنا أكثر اقتناعًا بأن الصورة التي تُروى ليست دائمًا هي الصورة الحقيقية. نعم، هناك مشاكل، لكن هناك أيضًا رجال ونساء يعملون بصمت ونزاهة وتفانٍ، يستحقون الدعم لا الإدانة.
وإلى أن تفرغ “تاركو” من تحقيقاتها في واقعة الحقيبة، يبقى الحق أن يُقال: إدارة مطار بورتسودان تستحق الشكر، لا الشك.

التعليقات مغلقة.